الأحد، 13 فبراير 2011

نيلة رقم (14)

حكومة أنابيب..موش عاوزة زعابيب

ولما كانت (النيلة الرابعة عشر) من القهر الأول من السنة الثامنة من الزفتية الثالثة قالت الأميرة فقر زاد..وهي تدعو ربها الجبار.. أن ينزل غضبه علي الأمير فقريار.. مزيل العمار  وخارب الديار:
بلغني أيها الشحط العنيد..دو المخ البليد..أنه في محاولة لتفسير الألغاز..التي أثيرت حول موضوع تصدير الغاز..أعلن وزير الشؤون القانونية..والمجالس النيابية..في الحكومة الذكية..ردا علي ما أثير من أسئلة..من أعضاء مجلس الأنس حول هذه المشكلة..أن تصدير غاز مصر إلى دولة سرقائيل..بثمن أقل من القليل..وهو خمس الأسعار العالمية..لم يتم باتفاقات دولية..ولكنه تم كاتفاق تصدير بين شركة مصرية..وشركات إسرائيلية..وإن ما قدمته الحكومة للعدو الحبيب..القابع في تل أبيب..هو فقط مد الأنابيب..وكأن الشركات الصهيونية..شركات سرقائيلية..وشركتنا المصرية..تتبع دولة أجنبية..ولم يكتف الوزير الهمام..بالقول بأن كله تمام..وإنما أصدر تصريح عجيب..وآخر غريب..وكأنه يصدره من تل أبيب..إذ قال لبعض الأعضاء..وهو في قمة الاستياء..أن هناك بنودا سرية..في هذه الاتفاقية..تلزم الشركات بعدم الإفصاح عنها..مهما جرى للناس منها..وكأن هذا الغاز ليس ملك الشعب..فيباع بسعر بخس للشرق وللغرب..ولما كان وزير البترول..ساكت عن الكلام علي طول..فقد أحال رئيس المجلس..الذي علي أعلى كرسي يجلس..الموضوع برمته للجنة الطاقة..ليدفنه بكل ذكاء ولباقة..ولهذا تأكد أيها الحبيب..أن هناك بنوداً سرية في اتفاقاتنا مع تل أبيب..كما في معاهدة السلام..التى ممنوع عنها الكلام..أحسن فوق التخشيبة تنام..ومن ثم يدرك كل لبيب..بدون إشارة أن حكومتنا..حكومة أنابيب..
وهنا أقبل أبو الغوغاء جالب الأنباء..وقال وعلي وجهه علامات الاستياء:
أن الدكتور يحي  الجمل..لما ضاع منه الأمل..كتب كلام جميل..عن كارثة توريد الغاز لدولة سرقائيل..فقال لا فض فوه..للناس اللي بيحبوه: من المواد الدستورية التقليدية..التي ترد في كثير من الدساتير العالمية..والتي تفهم ضمناً من مجمل نصوص الدستور..ولا تحتاج  إلى مستشار أو دكتور..المادة التي تقول إن الثروات الطبيعية..سواء في باطن الأرض أو في المياه الإقليمية..ملك للدولة البهية..
وعلي هذا النحو فإن هذه الثروات..هي من قبيل الملكية العامة لدولتنا الشربات..والملكية العامة للدولة..وذلك من باب أولى..لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو التأجير..إلا وفقاً لأحكام معينة تنص عليها الدساتير..والأصل ألا يتم أي من هذه التصرفات..بالبيع أو كهبات..للملكية العامة..وبصراحة تامة..إلا بعد موافقة ممثلي الشعب..اللي طهق من الغلب..باعتبار أن الشعب هو المالك الحقيقي للثروات الطبيعية..وأنه أوكل ذلك الي الدولة السنية..
وهذه القواعد الدستورية..خولفت كلها وبعين قوية..في جريمة بيع الغاز لدولة سرقائيل..وكان ذلك قبل التطبيع أمر مستحيل..وذلك عن طريق الالتفاف حول القواعد الدستورية..والرغبة الشعبية..بإنشاء شركة خاصة بين مجموعة من الأفراد..لتحقيق المرغوب والمراد..بالتصريح لهذه الشركة بالتصرف في ثروة طبيعية..من ثروات الشعب المحروم من الديموقراطية..والتي تعتبر ملكية عامة..كل دا والحكومة نايمة..
ليت ذلك وبس..بل وبالعكس..صرح للشركة بمد خط أنابيب..يحمل هذا الغاز الطبيعي إلي العدو الحبيب..وبأسعار أدني من الأسعار العالمية..يمكن بحوالي عشرين في المية..والارتباط بتصدير هذه الثروة القومية..بهذا السعر المتدني إلي فترة طويلة..مما يمثل كارثة وبيلة..وأحد الشركاء الرئيسيين في هذه الشركة المريبة..المثيرة للجدل بطريقة عجيبة..والتى تخفي في باطنها رائحة العفن والفساد..الذي سيدمر العباد والبلاد.. تردد اسمه ذات يوم..في مشكلة أجريوم..وتردد اسمه في أرض طابا..بعد أن مص دم الغلابة..فتم نزعها من عائلة مصرية..وأعطيت له ليصبح الموضوع محل قضية..أمام المحاكم الدولية..
و هذا الشخص المريب..الذي يقيم دائما في تل أبيب..كان يمتلك حصة في هذه الشركة الملعونة..وباع جزءا من حصته وهي في الأصل مال أبونا.. إلي أجانب وأجنبيات..أمريكيين وإسرائيليات..بالمليارات من الدولارات.
وهكذا انتهي الأمر إلي هذه الصورة الغريبة..والحالة العجيبة: شركة أصبحت بحكم المالكين لها شركة إسرائيلية..تبيع لإسرائيل وتصدر  الغازات الطبيعية المصرية..الذي تعد ثروة طبيعية..وملكية عامة قومية..بأسعار متدنية..وللطويل من الفترات الزمنية..
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال في غير سرور:

قبل ما تقولوا كله تمام..هذا إهدار للمال العام ..
ومخالفة دستورية..يا عالم يا حرامية..
واغتيال لمقدرات هذا الشعب..اللي فاض بيه الغلب..
وهنا وقف شملول البهلول..في ذهول..وأخذ يقول:
هل يصدق أحد أن الغاز المصري..يباع في إسرائيل بسعر أقل من السعر الذي يباع به لصاحبه الأصلي.. الذي يشتري غاز بلده المستخرج من جوه..بسعر أعلي من السعر الذي يباع به هذا الغاز نفسه لعدوه..
والله إنها لخيانة..وعدم أمانة..في حق هذا البلد..الذي يعيش سكانه في كمد.. إنها أبشع جريمة..ارتكبتها هذه الشركة الزنيمة..
ثم أضاف شملول البهلول..في ذهول:
من حق الناس أن تتساءل..وتتشاءم ولا تتفاءل..أي قوة يملكها هذا الشخص المريب..صاحب النفوذ العجيب..الذي نصادفه في أغلب الصفقات المريبة..والألاعيب العجيبة..وما سر نفوذه..ووجوده من غير ما نعوزه..؟ وهل يعمل لحساب نفسه فقط أم لحساب آخرين..يقدمون له الدعم والحماية ويسهلون له مخالفة الدستور القوانين؟
وهنا قال أبو الغوغاء جالب الأنباء:
من حق الناس أيضاً أن تتساءل.. وتتشاءم ولا تتفاءل..لماذا تبيع مصر جزءاً من ثروتها الطبيعية..التى ستنفذ خلال السنين الجاية..والمهددة بالتناقص والنضوب ..والاختفاء من الآبار والجيوب..في عدد قليل من السنين..لشعب إسرائيل غير الأمين..بسعر يقل عن كل سعر معقول..وذلك لمدد ستطول..
وهنا أقبل عبدو الرادار جايب الأخبار ومعه منها المزيد..لمن يريد:
قال البعض إن الحكومة المصرية..أرادت أن تقدم لإسرائيل هدية سخية..بمناسبة العيد الستين لتأسيسها واغتيالها الأرض العربية..فاختارت أن يبدأ ضخ الغازات الطبيعية..في مناسبة الاحتفالات بالأعياد الإسرائيلية. وقال البعض الآخر..وهو يتفاخر..إن الحكومة المصرية أرادت أن تساعد إسرائيل المفترية..علي توفير الطاقة لمصانعها وأسلحتها..كي تشتغل علي مهلها.. وتدمر غزة والضفة والسلام..علشان نرتاح ونروح ننام.
وهنا قال شملول البهلول..في ذهول:
قال البعض الآخر.. إن الهدف الأصلي للحكومة المصرية من بيع الغاز بهذه الأسعار المتدنية..هو تجويع الشعب المصري وإرهاقه..برفع أسعار كل احتياجاته..اللازمة لتسهيل حياته..ذلك أن الحكومة المصرية..كانت تستطيع لو أنها باعت هذا الغاز بسعره الطبيعي في السوق العالمية..أن توفر من العوائد ما يغنيها عن المعونات والهبات النقدية..
وهنا قال أبو الغوغاء جالب الأنباء..وعلي وجهه علامات الاستياء:
إن بعض الخبثاء..من القوم الأذكياء..يقولون: نحن نفتيكم..وما يدريكم..أن هدف الحكومة المصرية.. هو تحقيق كل هذه الأغراض في صفقة جماعية..
وهنا قال شملول البهلول..في ذهول:
قال أحد المدافعين عن الحكومة..والذي يتقاضى مبالغ معلومة..في تبرير هذه الآثام..التى اقترفها بعض اللئام.. إن ما أبرمه وزير مصري وآخر إسرائيلي..هو شالوم جاليلي..لكي يمهد لتمرير هذه الصفقة..بدون كتابة أي ورقة..ليس من قبيل المعاهدات الدولية..والاتفاقات العالمية..وهو نفسه يعلم قبل غيره..ويدرك سوء الاتفاق وشرّه..أن اتفاقية فيينا الشارحة للمعاهدات الدولية..والاتفاقات العالمية.. تقر أن كل اتفاق بين دولتين..متعاهدتين أو متفقتين..أياً كانت صورته أو اسمه..أو شكله أو رسمه..هو اتفاق دولي ينطبق عليه وصف المعاهدة..دون أن يكون هناك شاهد أو شاهدة..
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال في غير سرور:
يا ناس مصر لم تسئ إليكم فلماذا تنتقمون منها هذا الانتقام؟
يا ناس حرام.. حرام.. حرام.
إن هذا الاتفاق كان وبيلا..
وما أظن أن يوم الحساب سيتأخر طويلاً.

وهنا صاح الحُجّاب..من وراء الباب..يعلنون قدوم الهباب..مسرور الهلاب
فسكتت فقر زاد عن الكلام المباح خشية  سيف مسرور السفّاح
وقالت في دلال وحِنْيّة..موعدنا يا مولاي في النيلة الجاية

الاثنين، 7 فبراير 2011

ألف نيلة ونيلة رقم (3)

سعار الأسعار ولحم الحمار

ولما كانت (النيلة الثالثة) من القهر الأول من السنة الثامنة من الزفتية الثالثة قالت الأميرة فقر زاد.. مرتدية ملابس الحداد..للأمير فقر يار ..خارب الديار..وهي تحكي كوارث عن العباد.. و مصائب البلاد:
بلغني أيها الملك التعيس..ذو الفقر الكبيس أن المعلم بهروز ملك الكندوز..أطلق صبيانه..في الحتت الخربانة..لجمع الحيوانات النافقة..التي تدر عليه أموالاً متدفقة..فلم يشبع بملياراته..وسياراته وعماراته..فأطلق الصبيان..في كل مكان..يبحثون عن النافق من الحيوان..بعدما نما إلي علمه..أن جَّزور ابن عمه..يبيع لحم الكلاب..أو يحولها الي كباب ويذبح الحمير..ويبيع لحومها للجماهير..ويحصل بذلك علي المال الوفير..فقرر أن يغلبه..وفي السوق يتعبه..فالعملية هايصة..والبلد لايصة..وكله بيهبش..أو يلهف وينهش..إلا المكدود..صاحب الدخل المحدود..والجسم المهدود..المواطن الغلبان..المسكين التعبان..الذي لسعته الأسعار..فأخذ يقول نار يا حكومة نار..المهم في الموضوع..أن بهروز المفجوع..كان يلم الحيوانات الميتة..ويحولها الي لحوم متفتتة..ويعلن للجمهور المهموم..بموضوع الأكل كل يوم..أن هذا لحم مستورد مفروم..بعد أن يخلطه بالبصل والتوم..وكلوريد الصوديوم..لتضيع رائحته المنتنة..ومكوناته المعفنة..ولأن الثمن رخيص..يضع المشترى في حيص بيص..فيقبل الجمهور..من بعد الفطور..ليتزاحم أمام المعلم..الذي يقف ويتكلم:..يابلاش يا بيه..الكيلو بعشرين جنيه..والفلوس نازلة زي المطر..دون أن يشعر بأي خطر..فلا رقابة ولا دياولو..ولو جه مفتش يناوله..مظروف خفيف ..فيه مبلغ ظريف..فينصرف المفتش..دون أن يفتش..ويملأ بهروز الجبان..خزانة الدكان..من فلوس المواطن الغلبان..الذي دوخته الأسعار..وجعلت حياته نار في نار.

وهنا أقبل عبدو الرادار ومعه المزيد من الأخبار..وقال للحاج مختار: المعلم بهروز..ملك الكندوز..بيشتري الكيلو بخمسة جنيه..وبيبيعه بعشرين يا بيه..كمان ما فيش رحمة..سرقة كمان في أسعار اللحمة؟!
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال في غير سرور:
اسمعوا يافندية..حكاية الست حُسنية..وهي بالمناسبة صَحفية..تنكرت في زِي بائعة..وأسمت نفسها باتعة..وادعت أنها تعيش عِوالة..بسبب البَطالة..وأنها تريد أن تأكل عيش..في مدبح كعبيش..فصِعبت علي المعلمة الأروبة..زوبة اللهلوبة..فقالت لها تعالي يا حبوبة..وشغلتها عندها..وعاملتها كأنها بنتها..وأخذت باتعة تبيع الممبار..وكأنها بنت جزار..والفشة والعكاوي..لكل واحد غاوي..والكبدة والطحال..الطازة العال العال..شوية وجِه كمال..وهو صبي جزار..وفلوسه بالقنطار..خمسين جنيه يومية..ودي حاجة مية مية..وميتين آخر الأسبوع..واتكلم في الممنوع..قال لباتعة إنه بيحبها..ونفسه يسكن قلبها..فقامت المعلمة زوبة..وبطحته بالطوبة..لما سألها إذا كانت باتعة متجوزة أو مخطوبة..فنفذ من الموت بأعجوبة..وكانت حُسنية..متأكدة مِيه في الِمية..إن الجزارين الضلالية..وصبيانهم الحرامية..بيدبحوا القطط والكلاب..ويبيعوا لحمها علي إنه كباب..فكذبت علي كمال..وسايرته وقالت: بس في الحلال..ففرح العبيط..وهات يا تنطيط..لحد ما خبط راسه في الحيط..فنقلوه للمستشفي..وزارته باتعة وهو يتمشي..ومعها لفة ممبار..وزبادي وخيار..فانفتحت نفس كمال..شوية وعلي ودنها مال..وسألها: بتقبضي كام عند زوبة..اللي بطحتني بالطوبة..فقالت: ميه كل أسبوع ..ودا مبلغ جربوع..وعشرين يومية..بادفعهم مواصلات رايحة جاية..فقال ولا يهمك ياروحي..صبرك لما تخف جروحي..بكره تقبضى قدهم مرتين..من معلمي ملك السمين..وتكررت الزيارات..وسمعت باتعة من كمال العجيب من الحكايات..وعاد كمال..ليستأنف لم المال..وأخبر معلمه التخين..ملك السمين..إنه هايتجوز..وعايز يتجهز..فاشتغلت باتعة في محل ملك السمين..مع كمال المسكين..وبعد كام يوم..ظهرت علي وجهها الهموم..بعد أن شاهدت الحقيقة..دقيقة بدقيقة..كان الصبيان ..والمعلم الجبان.. يذبحون الكلاب..من وراء الباب..ويفرمون الملبس من لحمها ليكون كفتة..ويوضبون الأحمر منها لزوم الفتة..وبعد ما يهروها ضرب..يلفوها في شغت لزوم الطرب..والجلد يفرموه..وفي الرغيف يحشوه..علشان يحمروه..وحواوشي يبيعوه..فوقفت باتعة وراء كمال..وأخفت محمولها بين طيات الشال..وصورت بكاميرته الحكاية..منذ بدايتها وحتى النهاية..من أول دخول القطط والكلاب حتى تقديم لحومها كفتة وكباب..وظهرت في التلفاز..كبطلة حققت إنجاز.
وهنا قال المعلم مختار..الذي من سماع الحكاية لف حول نفسه ودار..لعبدو الرادار:
هى وبعدين هي وبعدين ؟؟
فقال سعد المجنون: في العهد الميمون..لا بعدين ولا قبلين..بلدك راحت ف الرجلين
وأقبل أبو الغوغاء جالب الأنباء..وسأل  في استياء..يعنى ها يعملوا محلات لحم حمير..يحشوا بها الفطير..ونحن نأكل كالطراطير
وهنا قال الرادار: هاتاكل برجرحمار..ورغيف حِمارشي..زي الحواوشي..وحماراتاكي..زي شكشاكي..وجشو نالدز..تاكل وتغمز..يا واد يا زين..للمزمازين..وبدال ما تزهق..تقوم تنهق.
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال وهو مقهور:

إحنا الشعب..إحنا الشعب..إللي أكلنا لحم الكلب
فرد عليه سعد المجنون..وهو متغاظ ومشحون:

إحنا الجماهير..وعددنا كتير..ياما أكلنا..لحمِك يا حمير

وهنا قال مسعد لملوم..وهو مهموم.. لاتأكلوا اللحوم‏!..وهذا عنوان مقال..منشور في الجرنال..في عامود شئون سياسية..عن أوضاعنا اللحمية..إذا كتب الأستاذ شريف..للناس في العهد النظيف.. لاتأكلوا اللحوم‏..‏لتبعدوا عن السموم..لاتقتربوا منها..بل ابعدوا عنها.. لأن تناولها بكافة أنواعها وأشكالها..يوقعكم في العديد من مشاكلها..فأكلها يعد مخاطرة كبري..وكأنكم تسممتم بسم الكوبرا.. ولدواعي الأمان والسلامة..ولعدم الحسرة والندامة..يتعين أن يكون وجودها علي مائدة الطعام محظورا..سواء أكنت جاموسا أو بعرورا.
وهنا أقبل أبو الغوغاء جالب الأنباء..وقال  في استياء: أكد أطباء متخصصون..في العهد الميمون..أن تناول لحوم الحمير النافقة والكلاب..يسبب الفشل الكلوي فتصبح العيشة هباب..وكذلك الالتهابات الكبدية..والأورام السرطانية..وقد تم ضبط أحد الجزارين..الجشعين المجرمين.. متورطا في بيع اللحوم المدمرة..نيئة أو محمرة.. واعترف بأن له مساعدين..مهمتهم تجميع الحمير والكلاب النافقة ثم التخزين.. ثم سلخها وتسليمها لبيعها للمستهلكين..أو للمطاعم الكيلو بعشرين.. وقد تم ضبط مائة وخمسين كيلو من هذه اللحوم..في أقل من يوم..متبلة بالبصل والفلفل والتوم..ثم اعترف صاحب الجزارة الحقيرة.. أنه يبيعها لأحد المطاعم الشهيرة..التي يتردد عليها كبار الشخصيات..وأولاد الذوات..وبعض الأحباب..من النواب..وانه يقوم بتوريد هذه اللحوم من سنين..ولا أحد يسأله شاريها منين؟؟..لظنهم أنه رجل أمين..وأن الطلب علي تلك اللحوم المتبلة..ذات الخلطة المفلفلة..طلب كثير..دون أن يدرى البهوات أنهم يأكلون لحم الحمير..في العديد من محلات السمين..في كرداسة وبولاق والعمرانية والبساتين.
وهنا قال الرادار..صاحب الأخبار..أن الدكتور مرسي جنيدي..ذو الأصل المجيد.وهو طبيب..وأخ حبيب..لاحظ في الزمن الأخير..تناقص أعداد الخيول والحمير..فأرسل بذلك منذ عدة أيام..لبريد الأهرام..وقال أنه سافر بالسيارة ثم القطار..فلم يشاهد في الحقول أي حمار..سواء بين البرسيم أو تحت الأشجار..وأصابته الدهشة وقال: جرى إيه..الحصاوي بألف وخمسميت جنيه؟؟ بعد أن كان أصحاب الحمير يوزعون الجحوش الصغيرة المولودة علي شلبي وسمير..لأنها كتير..ومن ثم تنه راجع.. للكثير من المصادر والمراجع..وبحث عن الأوبئة الحميرية..فاكتشف أن صحة الحمير ميه ميه..فأرسل يسأل أين اختفت حميرنا المصرية؟؟..هل تجمعت في محطة باب الحديد..للمطالبة بكادر حميري جديد..أم انتحرت دون أن تخاف..بسبب نقص البرسيم والأعلاف..وهل هناك علاقة بين اختفاء الحمار..وارتفاع الأسعار؟؟!!
وهنا صاح الحُجّاب..من وراء الباب..يعلنون قدوم الهباب..مسرور الهلاب
فسكتت فقر زاد عن الكلام المباح خشية  سيف مسرور السفّاح
وقالت في دلال وحِنْيّة..موعدنا يا مولاي في النيلة الجاية

ألف نيلة ونيلة رقم (2)

وفاة ضحية في طوابير خبز الإسكندرية
ولما كانت (النيلة الثانية) من القهر الأول من السنة الثامنة من الزفتية الثالثة قالت الأميرة فقر زاد.. مرتدية ملابس الحداد..للأمير فقر يار ..خارب الديار..وهي تحكي عن كوارث العباد.. ومصائب البلاد:
بلغني أيها الملك التعيس..ذو الفقر الكبيس أن طوابير الخبز ما زالت مستمرة..وأحوالها غير مستقرة..وضحاياها يتساقطون..بعدما يتناحرون ويتشاجرون..وأحياناً يحترقون..ففي مدينة الاسكندرية..المارية..التى لم يعد ترابها زعفران..ازدحم الناس في الميدان..حول مخبز عبد الباسط الفران..في منطقة لوران..وبعد اللف والدوران..نشبت مشاجرة..بالسنج الطائرة..فقد عاد المسجل خطر..علي أبو مطر..كما عادت ريمه..لعادتها القديمة..للحصول علي المُدعّم من العيش..وتعبئته في أجولة من الخيش..ليبيعه للمستهلكين المستكينين..بضعف سعره أكثر من مرتين..ولما رفض ابن الخباز..منح الخبز لأبي مطر النهّاز..توجه أبو مطر لإحدى محطات البنزين..وأحضر جركن من الكيروسين..وأشعل واجهة الفرن..وفي يده سنجة وقرن..فاحترق بعض الناس الواقفين..والباقي راحو  ماشيين..ونظراً لمرضها..وكبر سنها..لم تتمكن من الفرار الحاجة سيدة حجازي..وسقطت محترقة وهى تقول ربنا يجازي..اللي وقفنا في الطوابير..كالحمير.
ولما نقلها الإسعاف..بعد أن غطوها بلحاف..ماتت المسكينة..محترقة حزينة..بسبب خناقة..لم يكن لها فيها لا جمل ولا ناقة..ولكنها الفاقة..والعيشة الحراقة..والضنك الذي زاد..وقصم ظهور العباد..ولما رأتها الممرضة سونيا..بكت وقالت ملعونة ياام الدنيا..دى عيشتك هباب..وجوّك تراب..نعيش في العذاب..ويطفش شباب.

وهنا أقبل عبدو الرادار جايب الأخبار ومعه منها المزيد..لمن يريد..فقال الحضور احكي يا دبور..فقال الرادار..ما فيش أسرار.. في منطقة الكيلو ‏تلاتة وستين  علي طريق الإسكندرية ـ القاهرة الصحراوي المتين‏,‏ امتنع عبد الرحيم علي.. صاحب مخبز الأرندلي.. عن بيع الخبز المدعوم.. للمواطن أسامة مصطفي المهموم ‏,‏ فلما اعترض أسامة‏,‏ وكان معه ابنه حمامة..هجم عليه عبد الرحيم‏,‏ كالشيطان الرجيم واحتجز أسامه داخل المخبز‏,‏ وأخذ يهدد ويتنرفز،وأخرج مسدسه من تحت معطفه.. واطلق النار في الهواء‏.‏فبال حمامة وابتل بنطاله بالماء..أما أسامه..فنزع العمامة..ولف بها المقعدة..بعدما فاحت منها روائح معقدة..وقالت وكالات الأنباء..في ذلك المساء..أن شرطة النجدة توجهت لمكان المشاجرة..من الاسكندرية والقاهرة..وحرّرت أسامة..بعد أن غسل العمامة..وأعاد حمامة..الذي كان مختبئاً في صفيحة قمامة.

وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال في سرور:
من غير دراهم أو فلوس..اسمعوا معانا قصة الفانوس
وهنا أقبل أبو الغوغاء جالب الأنباء وقال في انتشاء:
كان هناك مواطن منحوس..اسمه محروس..يعيش في منطقة حندوس..تدهور به الحال بعدما أصبح بلا مال..نتيجة ارتفاع الأسعار..وجشع التجار..وطغيان الاحتكار..فاشتري بما تبقي معه من فلوس..شمعة وفانوس..وفي ليلة ظلماء..نفذ ما معه من خبز وماء..وأراد أن يتعشي..فخرج يتمشي..ووقف في طابور الخبز عدة ساعات..وفي النهاية قال له صاحب الفرن: أبوك السقا مات..فعاد حزينا..كئيبا مهينا..فحك الفانوس في قرف..فسمع صوتا مرعباً بعده عرف..أن هذا الصوت لحارس الفانوس..العفريت باندوس..وقال العفريت..لصاحب البيت..شبيك لبيك..عبدك وبين إيديك..وبعد أن زالت عن محروس الخضة..وقام وتوضا..شعر بالأمان..الذي لم يحس به من زمان..واطمئن قلبه..وأبلغ العفريت طلبه..ولما قال للعفريت بشويش..أنا عاوز عيش..نظر العفريت إليه نظرة كلها شرور..وقال وهو يبكي: حرام عليك يا أخي خرجتني من الطابور.
وهنا قال الرادار:
اسمعوا يا شطار..حكاية تانية عن العفريت المكار..يحكي أن الأستاذ شعيت..كان بدون بيت..بعدما أصبح بلا مكان..نتيجة أزمة الإسكان..اللي سببها ارتفاع عدد السكان..وقلة البنيان..فأخذ يبحث في كراكيبه..التى ورثها عن واحد قريبه..فوجد فانوسا قديما..كالذي شاهده في فيلم السيما..ففعل كما فعل اسماعيل يسن..ومسح زجاج الفانوس مرتين فخرج اليه العفريت عفركوش..وهو من العفاريت ذات الكروش..فهرول شعيت كالمهروش...فقال العفريت : ما تخافشي..احسن أنا أمشي..شبيك لبيك..عبدك وبين إيديك..فتشجع شعيت وقال أنا عاوز بيت..فضحك عفركوش حتى استلقي علي قفاه..وقال في استعجاب: ياه..عاوزني أجيب لك شقة جديدة..وأنا نفسي علي الحديدة..دانا يا عفركوش..ساكن في الفانوس دا بعقد مفروش.

وهنا قال سعد المجنون: أنه في العهد الميمون ..وجد المعلم شعبان.. في أحد أركان الدكان فانوسا من بتوع زمان..ولما حَكّه خرج له عفريتان..كانا في الفانوس محشوران..فسأل أحدهما :إنت مين؟ فقال له أنا الحارس علاء الدين.. وسأل الثاني نفس السؤال ..فقال أنا علاء الننوس..شريك الحارس في هذا الفانوس
وهنا صاح الحُجّاب..من وراء الباب..يعلنون قدوم الهباب..مسرور الهلاب
فسكتت فقر زاد عن الكلام المباح  خشية  سيف مسرور السفّاح
وقالت في دلال وحِنْيّة..موعدنا يا مولاي في النيلة الجاية

ألف نيلة ونيلة (المقدمة والنيلة رقم1)

مقدمة
كان يا ما كان..أيام زمان..شعب تعبان..يعيش في بلد غلبان..يستورد القمح ويزرع البتنجان..يحكمه فقر يار السلطان..ويقف علي رأسة مسرور السياف كالديدبان..وينتشر أفراد العسس في كل مكان..كالدبان..يراقبون الناس ع الفاضي وع المليان..وكان للسلطان أميرة..تحب الطبقات الفقيرة..تمشي نهاراً في الطرقات..تسمع الشكاوى والآهات..وتجلس في المساء..الي السلطان أبى البلاء..تحكي أخبار البلاد..وتعدد مشكلات العباد..والسلطان في واد..وفي كل ليلة..تحكي له قصة منيلة بنيلة..وهو لا يفهم..لأنه لا يعلم..فالوزراء المحيطين..جعلوا له ودنا من طين..وأخري من عجين..رغم أن الطين..ومنذ عدة سنين..حلت محله المساكن العشوائية..في كل مدن وقرى المملكة البهية..وشح الدقيق واختفي العجين..ولم يعد هناك طحين..فاستوردوا القمح ذي الحشرات..وفقد الناس حياتهم أمام المخابز بالعشرات..
قرأت وداد..بنت الحاج فؤاد..هذه الحكاية..ضمن صفحات رواية..ووداد تعمل صحفية..في جريدة يومية..كانت تكتب مقالات عن أحوال الرعية..في عهد الحكومة الإلكترونية..الكائنة بالقرية الذكية..وكانت وداد..إذا أمسكت بالقلم ذي المداد..وكتبت عن أحوال البلاد..وما فيها من فساد..وما يقاسيه العباد..وهم يربون فلذات الأكباد..تذهب لتنام..فتسرح في الأحلام..فتدخل باب التاريخ..ودون تزوير أو تلطيخ..يخيل إليها..والنوم في عينيها..أنها أصبحت فقر زاد..الجالسة أمام السلطان ذي العناد..في تلك البلاد البعيدة..والتى هي بين الأمم فريدة..بأسمائها العديدة..فقرستان..قحطستان..هبشستان..خصخصتان. ووزارئها المحترمين..الذين يدخلون الوزارة معدمين..ويخرجون منها وهم أصحاب ملايين..من أمثال..حنكوش الدجال..وهبش زاد..ونتش زاد.. وقحط زاد..وجهل زاد..ولسع زاد..وكل من دخل المزاد..
ومما غطى علي ذلك وزاد..أن رئيس تحرير الجريدة..جاءته أوامر شديدة..من جهات عديدة..بإسكات قلم وداد..الكاشف للفساد..فما كان منها إلا تقديم الاستقالة..وافتتاح محلاً للبقالة..وراسلت جريدة معارضة..لتستمر للنوائب عارضة..فكتبت عن اللقمة الهنية..والناس الحرامية..وعن وفاة ضحية..في طوابير خبز اسكندرية..وعن سعار الأسعار..وأكل لحم الحمار..وعن أطفال الشوارع..والجيل الضائع..وعن القلب المفتوح والطب المفضوح..وهن هجوم الديدان والشعب الغلبان..وعن حكومة الأنابيب موش عاورة زعابيب..وعن العرب العاربة والعرب الغاربة..وعن ما بين أسوان والقاهرة..مصر أم الآخرة..وعن كوارث القطارات وأسوأ النهايات..وغيرها وغيرها من حوادث ونكبات..وأفظع الحكايات..وفيما يلي من صفحات..نسرد عليكم بعض هذه الحكايات.



نيلة رقم (1)
اللقمة الهنية والناس الحرامية
ولما كانت (النيلة الأولي) من القهر الأول من السنة الثامنة من الزفتية الثالثة قالت الأميرة فقر زاد..مرتدية ملابس الحداد..للأمير فقر يار..خارب الديار..وماسح العمار..وهي تحكي عن مصائب العباد..وكوارث البلاد:
بلغني أيها الملك التعيس..ذو الفقر الكبيس..أن البشر في المنوفية..ازدحموا أمام شباك طابونة المعلم أذية..وتجمع منهم لفيف..للحصول علي الرغيف..الذي اختفي في العهد النظيف..وفي سرس الليان..وقف الحاج ريحان..وهو تعبان..يحاول الحصول عليه..أو الوصول إليه..ولما زاد طول الطابور..دعا الحاج علي الظالم المغرور بالويل والثبور وفظائع الأمور..
ولما قال المعلم أذية..للناس المستنية..من قٌبل الفجرية..لبعد الضهرية..خلاص يافنديه..شهق ريحان شهقة قوية..وانتقل الي جنة الرحمن..بعد أن سقط بأزمة قلبية..نتيجة وقوفه م الفجرية للضهرية..مع الناس المستنية..بينما تنطلق من المذياع أغنية..القمح الليلة ليلة عيده..يارب تبارك وتزيده..وهو ملقي علي الأرض فارد أيده..وغير بعيد عن اللمة سمع الناس أغنية.المصريين أهمه..فهجم الجميع..كالقطيع علي المذياع..الذي ضاع..بعد أن حطموه إرباً إربا..وزاغ المعلم أذية هرباً.
وهنا أقبل عبدو الرادار جايب الأخبار ومعه منها المزيد..لمن يريد..ولما سألوه..عما هناك فعلوه..قال بفمٍ مليان..وكأنه شبعان:
اسمعوا يا سادة..لتشربوا القهوة السادة..بلغنا من مراسلنا هناك..في سبك الضحاك..أن العبارة في الشيكارة..بعد تهريب الدقيق وفك الدوبارة..وأن منيا القمح بلا قمح..وأن منيا الفول بلا فول..بعدما أصبحت الأسعار غول..
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال وهو مقهور:
م تشوف يا سعادة البيه..العدس بسبعة جنيه
وإزازة الزيت وحياتك.. نطت فوق عشرة جنيه
وقبل أن ينتهي الرادار من الكلام..أقبل أبو الغوغاء جالب الأنباء وألقي السلام..علي الواقفين في مؤخرة الطابور وفي الأمام..قبل أن ينتقل بعضهم الي مقابر الإمام..وأعلن بدون تزويق أن الزقازيق بدون دقيق..وأن المعلمة سمارة زعيمة الحارة نطت في كرش مجلس الإدارة وقالت : يا ميت خسارة..موش لاقيين عيش يسيبوه..وياكلو بداله جاتوه..بس هاتوه..قبل ما أتوه
وهنا تدخل المعلم عليش ملك العيش..وفوقه رداء من الخيش.. وقال بشويش:
قال نابليون..اللي مات مجنون..شرشي لا فيم..بلا غم  بلا هم..يعني ابحث عن المرأة..في الشارع أو الطرقة..وأنا أقول  لبشري وسمير..وسعاد ومنير..اللي واقفين م الفجر طوابير..أنه سيحدث تأخير..لتعطل المواجير..وعشان أريّحهم..ودلوقتي أروّحهم.. أقول لهم..علشان يروحوا لامهم: شرشي لا مَمْ..عشان تاكلوا هَم..يعني فارقونا..وامشوا وسيبونا .
وهنا التف بعض الناس..اللي عندهم إحساس..حول أفندي مستني..إسمه فرحان المتهنّي..وهو يقرأ في الجريد..أخبار عديدة:
وردنا أن زوجة الأستاذ فاروق..خرجت قبل الشروق..الي السوق..وأغلقت بابها علي أولادها..أميمة وكمال..وسامح ومنال..وبعد الظهيرة..طوت الحصيرة..وعادت لبيتها..وهي تحنى ظهرها..نفسها كسيرة..وعينها حسيرة..وفتحت الباب..فوجدت جدران شقتها مغطاة بالهباب..فألقت بالعيش المحروق..ذو الشقوق..ونادت علي أبنائها..فلذات كبدها..فلم يجبها مجيب..أو تسمع صوت ابن حبيب..فانطلقت تولول..وتبسمل وتحوقل..فوجدت رجال المطافي..ومعهم الحاج عبد الكافي..وعبده الاسكافي.. وهو واقف حافي..وقال الحاج أنها لما غادرت البيت..صحا الأولاد ولعبوا بالكبريت..فاحترق المنزل..وتهدّم وتزلزل..وكاد الدخان..يخنق الجيران..بعد أن ملأ المكان..وقال الإسكافي..للحاج عبد الكافي.. أن أولاد الأستاذ فاروق..نقلوا للمستشفي وكل منهم جسده محروق..وأنهم أسلموا الأرواح..وكل منهم مات وارتاح..من مشكلة كل مساء وصباح..ولم تعد أمهم للشقة..ولم تأكل رغيفا ولا شقة..وكان عقابها الأشغال الشاقة..بتهمة الإهمال..والتسبب في وفاة العيال.
وهنا قال الرادار: لا تفكر ولا تحتار..أسمعتم أغنية فرّان حيران..وهو المعلم شعبان..ولما أجابوا بلا..قال لهم: اسمعوا ما حدث في بولاق أبو العلا..أعلن الحاج شعبان الفران..أن اللقمة الهنية لم تعد تكفّي ميه..وإنما توزع علي ألف ومية..خاصة الناس الحرامية..وأنه استكان..وسيغلق الدكان..فليس في الإمكان أوفر مما كان..ولابد من التهريب من أجل التهليب..فالمدعوم بستاشر جنيه..والله يا سعادة البيه..والحرّ بميتين وستين..يعنى فيه قرشين حلوين..والفرق يدخل في الجيوب..المعلم والمفتش الحبّوب..ولما قال أن الرغيف بريال..هاج العيال..واعترض طلبة الطبال..ومرسي الزبال..فمنع الحاج العيش عن الرجال..وأعطاه للنسوان والعيال..فقامت عركة كبيرة..بالأسلحة الخطيرة..والسنج والمطاوي..والقلل القناوي..في اقتتال جماعي...ومدد يا رفاعي
وهنا انطلق المنشد المغمور..حنفي البعرور وقال في سرور:
آمنت أن المستحيل ثلاثة الفول والعدساء والخبز الطريّ
وبعد قليل..وقبل أن يقبل الليل..اجتمع من الناس لفيف..حول شاعر كفيف..يلقى عليهم قصيدة في الخابز الجاهز.. مرسي العفيف..بائع الرغيف:

وكرهناك ياللي هناك واقف من خلف الشباك
وكرهناك وسئمناك وكرهنا اللي ها ييجي وراك
لما تفارق وتريّحنا راح نكسر ميت قلة وراك
يا مجوّعنا و مضحضحنا  وحميرنا غلبت وياك
أبداً أبداً موش راح تفهم
ولا يوم جي فيه راح ترحم 
دى حميرنا أعياها غباك

وقال سعد المجنون: أنه في العهد الميمون ذهبت امرأة للمخبز ورضيعها فوق كتفها..وعادت بالخبز والولد يمشي بجوارها!!
وهنا صاح الحُجّاب..من وراء الباب..يعلنون قدوم الهباب..مسرور الهلاب
فسكتت فقر زاد عن الكلام المباح خشية  سيف مسرور السفّاح
وقالت في دلال وحِنْيّة..موعدنا يا مولاي في النيلة الجاية

أحسن جيل

أحسن جيل

ثورة جديدة إرادة عنيدة
ضد الظلم والطغيان

هبت ثارت..قامت فارت
حملت روحها للميدان

في يناير خمسة وعشرين
هبوا شبابنا وراحو ماشيين
ع التحرير ..للتحرير
جمعا من أجل التغيير

في ميدان التحرير
الجماهير بتسير
من أجل الحرية
والنور والتعمير

مهما بيجري نهر النيل
ويشرب ميتو جيل ورا جيل
شعب كريم وأصيل ونبيل
انتوا ياثايرين أحسن جيل

لا للطغيان ولا للذل
بكره بلدنا ها تصبح فل
والخير ها يعم علي الكل

ألف سلام وألف تحية
لشهداء النخوة العربية
لشباب مصر الأبية
والنور والخير والحرية

عاد بخُفين

ما أن انتهي من أداء صلاة الفجر جماعةً حتى غادر  المسجد مسرعاً  وهو يتذكر ذلك العدد الكبير  من المصلين الذين اندفعوا بعد أداء صلاة العشاء التي شاهدها علي شاشة تلفازه منقولة علي الهواء من المسجد الحرام، للوقوف في طابور طويل لتقبيل الحجر الأسود في الكعبة المشرفة..

غمغم وهو يتجه نحو مكان وقوفه اليوميّ: هناك حرام وهنا حرام...هناك مسجد حرام...وهنا حرام ما يحدث لنا..والله حرام..
أغمض عينيه قليلا وهو يقف في دوره في ذلك الطابور الطويل..تصفح الجريدة التى اشتراها لتوه.لم يجد فيها خبرا واحداً يسعده.كل الأخبار: مشكلات..سرقات.اختلاسات
لكنه سرعان ما ابتسم بعدما تذكر يوم وقف في طابور طويل طويل يضم أبناء مصر الشرفاء وهم يتدافعون للتبرع بدمائهم خلال أيام حرب أكتوبر المجيدة..

أفاق من أفكاره علي وكزة كادت تخترق جانبه..لقد حشر أحد المحظوظين نفسه في الطابور حشرا..
ـ بلاش زحام يا عفيف..إقف في دورك
ـ يا فتاح يا عليم..النظام يا جماعة...
ـ أكل العيش مُرّ
وبدأ الشجار المعتاد كل صباح
ـ اتقوا الله يا جماعة..إمبارح قامت عركة بسبب الطابور في حلوان مات فيها اتنين
ـ هوا في حلوان بس..وكمان في الفيوم
ـ في كل بلد دلوقتي..وفي كل وقت
ـ كان الفلاحون يكثرون من الإنجاب ليساعدهم أطفالهم في أعمالهم
ـ اليوم الفلاحون وبعض سكان المدن ينجبون أكثر ليقف أطفالهم في هذه الطوابير
ـ الحلوة لم تعد تقوم لتعجن في البدرية
ـ والديك لم يعد يؤذن في الفجرية
ـ انفلونزا الطيور

ازدادت الضوضاء واحتد شجار الغوغاء..ومن الباب الجانبي كان بعض "المحظوظين" يدخلون خلسة ويخرجون بعد لحظات وفي يد كل منهم كيسا محشورا بما يتشاجر الناس من أجل الحصول عليه في طابورهم الطويل.

لديه أربعه أطفال علي وشك الذهاب الي مدارسهم..ولا بد أن يدركهم قبل ذهابهم ولكن هيهات..وفي انتظار دوره فتح الجريدة مرة أخرى فقرأ ما أدماه وأبكاه: حوار بين صحفيّة وطفلة:
ـ ماذا  أفطرت اليوم؟؟...سألت الصحفية
ـ لم أفطر اليوم
ـ لماذا؟
ـ لم يحين دوري في تناول طعام الإفطار!!!!
كانت الطفلة أحد أبناء أسرة يتناوب أفرادها طعام إفطارهم بالتناوب
ـ يا الله..أبعد هذا الانفتاح والخصخصة وبيع كل شيء..يصبح تناول الطعام بالدور؟؟؟!!!

فكّر في أسرته: ستة أفراد..إذا لم يقف يومياً في ذلك الطابور اللعين فسوف يشترى الواحد بربع جنيه وربما أكثر..علي الأقل يلزم الفرد منهم اثنان يومياً..بعد ارتفاع أسعار الأرز..تسعون جنيه شهريا..إذا أراد ألا يفطر أولاده بالدور..تسعون جنيهاً وراتبه الشهري لا يزيد علي ثلاثمائة جنيه

الكمية أوشكت علي النفاذ..كل من يقف في الطابور الآن سيحصل علي اثنين فقط..اندفع صوت من وراء الشباك..
أعلن الوقوف عن استيائهم وسخطهم..صرخت بعض النسوة وبكى بعض الأطفال
ـ وماذا أفعل باثنين وأنا آكلهما وحدي؟؟!!
ـ الكمية نفذت
ـ الكمية نفذت لأنكم تعطونها للمحظوظين
ـ نحن مثال الشرف والأمانة
ـ نعم...بدليل الأجولة التي تهرب يومياً..قال أحد الوقوف متهكماً
ـ رضينا بالاثنين..قال آخر

وقبل انتصاف ذلك النهار ورغم وقوفه في ذلك الطابور اللعين منذ شروق الشمس جاء دوره ولكن بعد نفاذ الكمية وإغلاق الشباك.. وهو يطوي صفحات الجريدة التي كان قد فردها ليحمل عليها ما كان سوف يشتريه لفتت نظره قصيدة منشورة بها:
طول عمري باحلم بعيش نضيف
أو أقدر آكل كل الرغيف
لكن الحقيقة حوش يا لطيف

م الصبح بدري والدنيا ضلمة
أقوم وأجري ألاقي لمّة
وزحمة جامدة وعِراك عنيف

الكشك  عايم ف ميّه نتنة
في حتة زنقة علي باب حارتنا
والناس مظاهرة فوق الرصيف

خليك مؤدب شهم وظريف
إيه يعنى لما تلاقي  طوبة
أو عقب سوبر أو حبل ليف

الطوبة تنفع بتبنى حيطة
يا تحُكْ رِجلَك فتّح ف مخك
والحبل دا  يخليك نضيف

الزحمة صبحت مزاج وكيف
عشان مؤدب حلو   وعفيف
أنا سبت دوري لشيخ ضعيف
واد حلو مجدع  ماسك رغيف
راح مد إيده  وبصباع  خفيف
لطش الماهية وأنا ع الرصيف

تحسس جيب بنطاله الخلفي حيث تعود أن يضع حافظة نقوده..صرخ في هلع..أجلسه بعض المارة "علي الرصيف" أحضروا له كوب ماء..أخذ في لطم خدوده..ولما علموا ما حدث له تركوه وانصرفوا...

عندما كنت

ـ عندما كنت في الثامنة من عمري سقط بالقرب منى عامود رخامي مشتعل بنابالم ألقته طائرات الأعداء..لقد رأيت حمام السلام وهو يفر من أعشاشه مشتعلا قبل أن يسقط محترقا..بعدها طاردني العامود..تدحرج نحوي..حشرني ما بينه وبين الرصيف بعد أن تعثرت قدماي..ها هي آثاره المحرقة تفترش مسطح قدمي اليسري كخاتم أبدي يدل علي خستهم ونذالتهم..كان ذلك في حرب 1956 عندما احترق حي المناخ برمته..الحي ذي المساكن الخشبية التي يقطنها فقراء بورسعيد والذي احترق عن آخره بفعل "النابالم"..

كشف العجوز الذي تجاوز الستين من عمره بشهور عن قدمه اليسرى والوحيدة.ذلك الذي اتخذ من مقهىً مجاور لمسكنه مكاناً يحكى فيه لأصدقائه ذكريات عمره الذي أصبحت هي كل ما يمتلك..تنهد وهو ينظر إلي تلفاز المقهى الذي جلست أمامه مجموعة من الشباب تشاهد مطربة شبه عارية تتلوى كحية رقطاء..وهم فاغرين أفواههم في بلادة واشتهاء..

ـ هذا شرف عظيم..وسامُ علي صدرك..قال صديق
ـ هل لديك أبناء..سأله آخر
ـ عندي ببغاوان ـ ناظراً في ساعة يده ـ هذا موعد إطعامهما وتناول علاج المساء..اسمحوا لي..
ـ مع السلامة

في أمسية تالية أقبل العجوز المبتور الساق يتوكأ علي عصاه..وهو يأخذ رشفة من كوب الشاي..اتكأ ببطن يده علي مقبض عصاه..أسند رأسه فوق ظهر كف يده.سرح بخياله. تذكر شيئا.فجأة قال:
ـ عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري تطوعت في قوات الدفاع الشعبي..كنت وقتها في المرحلة الثانوية..تسلمت سلاحي الآلي الذي عشقته كثيراً.كنت أستذكر دروسي ليلة في منزل الأسرة علي ضوء "لمبة كيروسين" وليلة أخري خارج المنزل عندما كان يحين وقت "راحتي" من نوبة حراستي..علي ضوء عامود الإنارة الخافت أو في ضوء القمر..

ـ ومع ذلك حصلت علي مجموع كبير أعطاك المرتبة الثانية علي طلاب كل المدينة في امتحان الثانوية العامة وأدخلك الجامعة..أردف صديق..
ـ كانت أياما كئيبة..يوم كنت أعتني بجنودنا العائدين من سيناء في أعقاب النكسة وهم يروون لي أنهم لم يقاتلوا..لم يواجههم العدو..أخذوا على غرة..
ـ الحمد لله فبعد ذلك بعدة سنوات لقنّا ذلك العدو الجبان درساً لم ينسه.
ـ الحمد لله0

بعدما خلا المقهى من معظم رواده بعد انتهاء إحدى مباريات كأس العالم في كرةالقدم..التف الأصدقاء حول "عجوزهم" الذي أمطرهم بالعديد من ذكرياته:
ـ عندما كنت في الرابعة والعشرين من عمري التحقت بالجندية بعدما أنهيت دراستي الجامعية.توقف عن الحديث قليلا...سرح ببصره بعيدا..تنهد بعمق:كان ذلك في عام 1972.هز رأسه أكثر من مرة..أردف:
ـ بعدها بعام عبرنا القناة..حطمنا خط بارليف..وأسطورة الجيش الذي لا يقهر..انتصرنا..محونا عار الهزيمة..أعدنا الفرحة إلى بلدنا العظيم..وفي نهاية الحرب..وأثناء القتال..بترت ساقي اليمنى..
ـ هذا أكبر وسام علي صدرك..لقد كرمتك بلدك كلها أنت ورفاقك من الأبطال الشجعان..منحتكم الأنواط وشهادات التقدير..قال صديق..

نظر العجوز إلي ساقه المبتورة بفخر والي صدره ـ حيث يعلق نيشاناً عسكرياً ـ باعتزاز..أردف:
ـ لم تبخل علينا بلدنا بكل ما احتجناه..أعطتنا المكافآت المالية والأنواط..مكنتنا من أداء الحج والعمرة..حتى الآن أنا أحصل علي معاش عسكري شهري يوفر لي حياة كريمة..ولكن (توقف قليلا عن الكلام):لماذا لم نعد نسمع في المذياع أو التلفاز أغان وطنية؟؟ أنا كل ليلة قبل النوم أضع في جهاز تسجيلي شريط "كاسيت" به أغانٍ وطنية....كل ليلة....لا يمكن أن أنام دون سماعها........لماذا....

بعدما شعر بالمرارة تغزو حلقه توقف عن الكلام..هب واقفا..نظر في ساعة يده..أفل عائدا إلي بيته...بعدما رأي الكثيرين من أصدقائه يتجهون بأبصارهم نحو شاشة تلفاز عملاقة تهتز مع اهتزاز وسط راقصة شبه عارية.

لاحظ العجوز والحزن يملأ قلبه أن عدد المستمعين إلي حكاياته يتناقص ليلة بعد أخري بينما يتزايد عدد الجالسين أمام تلفاز المقهى.

في أمسية تالية لم يجد أحدا من أصدقائه في انتظاره.بحث عنهم.وبعدما أضناه البحث غفا قليلا.وفجأة أفاق علي تأوهات شهوانية وصراخ إعجاب هستيري..تنهد بأسىً وهو ينظر إلي تلفاز المقهى وقد جلست في مواجهته مجموعة من رواد المقهى صغار السن ـ فاغرين أفواههم في بلادة واشتهاء ـ يتوسطهم معظم أصدقائه يشاهدون مطربة تتلوى شبه عارية كحية رقطاء..