الاثنين، 7 فبراير 2011

السهم

منتصباً في شموخٍ وإباء في عربته الحربية..جاذباً وتر قوسه بسهم طويل استعداداً لتصويبه نحو أعدائه..وقف الفرعون المصري الشهير..كانت تلك صورة مرسومة..ليس علي جدار أحد المعابد..أو في متحف ما..ولكنها كانت تغطي الواجهة اليمني لملهيِ ليليِ بأحد شوارع العاصمة...يحمل اسم الفرعون الشهير.

لم يكن ذلك الملهي يعرض أوراق البردي التي تحكي تاريخ الأجداد وعظمة حضارتهم..وإنما كانت الأوراق المتداولة بين رواده وراقصاته أوراق نقدية..ينثرها بعض المخمورين حول "سهام" ..تلك الراقصة "الجامعية"..التي لم تجد عملا بعد انتظار سنوات في طابور البطالة..الفتاة الريفية الخجولة التى كانت "تصلي الفجر حاضرا وراء أبيها" قبل قدومها للمدينة التي أغوتها بأضوائها وضوضائها.

لم تكن "سهام" تشرب العرقسوس قبل قدومها الي العاصمة..فأصبحت ترقص ليلياً ما بين صلاتيّ العشاء والفجر..وربما الي الضحى..بعد شرب أفخر أنواع "خمور الانفتاح" في عهد الخصخصة والتطبيع..وحولها المعجبون الحالمون بجسدها وقضاء بعض الوقت مع الراقي من "فنها".

وهي تترجل من سيارتها الفارهة..بعد أن أوقفها سائقها في الشارع الجانبي الذي يقف الفرعون مرسوما علي جانبه الأيسر..نظرت الراقصة نحو التمثال المرسوم..سألت عنه..ولماذا يقف هكذا مشدوداً..وفي يده ذلك السهم الطويل..يكاد ينفلت من وتر القوس..

أخبروها أنه كان يقاتل "أعداء مصر" ليؤمن حدودها.ويجلب الأمان لشعبها..ضحكت ضحكة راقصة.."طرقعت" بعض أصابع يديها بطريقة تجيدها راقصات عصر الانفتاح السعيد..قالت بسخرية:
ـ خلّيه واقف لما يتهد حيله..ولما يزهق م الوقفة يجيلي الكباريه وأنا اخليه ينسي أعداء مصر...وينسى مصر نفسها كمان.

في كل ليلة..بعد أن تقف سيارتها في مكانها المحجوز دوما لها..وقبل دخولها الملهي محاطة بالعديد من "البودي جارد"..تنظر نحو الفرعون النظرة ذاتها..وتضحك بعدها بخلاعة ومجون.

وفي ليلة رأس السنة..امتلأ الشارع "بالطراطير" وازدانت الفنادق والملاهي الليلية بكل أنواع المزركشات..وشغل هواء المكان الصاخب من الموسيقي والمزعج من النغمات..فالليلة كما تقول "سهام" ليلة "رقص السنة"..حيث يتجمع بعض أصحاب الملايين والمليارات..لعقد المشبوه من الصفقات حول البارات..خاصة أن بعضهم أصبح مدمناً للمطربات المغمورات..والراقصات المتشخلعات..حتى لو أحيل إلي محكمة الجنايات..

في تلك الليلة اصطفت السيارات..التى جاءت بالبهوات والباشوات..أصحاب المشروعات..حول مبنى الملهي..وحولها العديد من "البودي جاردات..وغير بعيد اصطفت مقاعد موائد الرحمن..وعليها أناس مقهورون..طالبين الصدقة والإحسان..

سهر الجميع حتى الصباح..بعد أن تبادلوا ـ مع انتصاف الليل ـ العناق والقبلات..وغير بعيد كان أحد بائعي الصحف ينادي بصوت عالٍ: إقرا يا باشا حكاية تبادل الزوجات..

وبعد شروق شمس اليوم التالي خرجت الراقصة وهي تترنح..وحولها حراسها..ألقت نظرة السخرية المعتادة علي الفرعون المرسوم..ضحكت نصف ضحكة..تجشأت خمراً..وقبل أن تمسك بمقبض باب سيارتها سقطت مضرجة في دمائها..بعد أن اخترق قلبها سهم طويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق