الاثنين، 7 فبراير 2011

عاد بخُفين

ما أن انتهي من أداء صلاة الفجر جماعةً حتى غادر  المسجد مسرعاً  وهو يتذكر ذلك العدد الكبير  من المصلين الذين اندفعوا بعد أداء صلاة العشاء التي شاهدها علي شاشة تلفازه منقولة علي الهواء من المسجد الحرام، للوقوف في طابور طويل لتقبيل الحجر الأسود في الكعبة المشرفة..

غمغم وهو يتجه نحو مكان وقوفه اليوميّ: هناك حرام وهنا حرام...هناك مسجد حرام...وهنا حرام ما يحدث لنا..والله حرام..
أغمض عينيه قليلا وهو يقف في دوره في ذلك الطابور الطويل..تصفح الجريدة التى اشتراها لتوه.لم يجد فيها خبرا واحداً يسعده.كل الأخبار: مشكلات..سرقات.اختلاسات
لكنه سرعان ما ابتسم بعدما تذكر يوم وقف في طابور طويل طويل يضم أبناء مصر الشرفاء وهم يتدافعون للتبرع بدمائهم خلال أيام حرب أكتوبر المجيدة..

أفاق من أفكاره علي وكزة كادت تخترق جانبه..لقد حشر أحد المحظوظين نفسه في الطابور حشرا..
ـ بلاش زحام يا عفيف..إقف في دورك
ـ يا فتاح يا عليم..النظام يا جماعة...
ـ أكل العيش مُرّ
وبدأ الشجار المعتاد كل صباح
ـ اتقوا الله يا جماعة..إمبارح قامت عركة بسبب الطابور في حلوان مات فيها اتنين
ـ هوا في حلوان بس..وكمان في الفيوم
ـ في كل بلد دلوقتي..وفي كل وقت
ـ كان الفلاحون يكثرون من الإنجاب ليساعدهم أطفالهم في أعمالهم
ـ اليوم الفلاحون وبعض سكان المدن ينجبون أكثر ليقف أطفالهم في هذه الطوابير
ـ الحلوة لم تعد تقوم لتعجن في البدرية
ـ والديك لم يعد يؤذن في الفجرية
ـ انفلونزا الطيور

ازدادت الضوضاء واحتد شجار الغوغاء..ومن الباب الجانبي كان بعض "المحظوظين" يدخلون خلسة ويخرجون بعد لحظات وفي يد كل منهم كيسا محشورا بما يتشاجر الناس من أجل الحصول عليه في طابورهم الطويل.

لديه أربعه أطفال علي وشك الذهاب الي مدارسهم..ولا بد أن يدركهم قبل ذهابهم ولكن هيهات..وفي انتظار دوره فتح الجريدة مرة أخرى فقرأ ما أدماه وأبكاه: حوار بين صحفيّة وطفلة:
ـ ماذا  أفطرت اليوم؟؟...سألت الصحفية
ـ لم أفطر اليوم
ـ لماذا؟
ـ لم يحين دوري في تناول طعام الإفطار!!!!
كانت الطفلة أحد أبناء أسرة يتناوب أفرادها طعام إفطارهم بالتناوب
ـ يا الله..أبعد هذا الانفتاح والخصخصة وبيع كل شيء..يصبح تناول الطعام بالدور؟؟؟!!!

فكّر في أسرته: ستة أفراد..إذا لم يقف يومياً في ذلك الطابور اللعين فسوف يشترى الواحد بربع جنيه وربما أكثر..علي الأقل يلزم الفرد منهم اثنان يومياً..بعد ارتفاع أسعار الأرز..تسعون جنيه شهريا..إذا أراد ألا يفطر أولاده بالدور..تسعون جنيهاً وراتبه الشهري لا يزيد علي ثلاثمائة جنيه

الكمية أوشكت علي النفاذ..كل من يقف في الطابور الآن سيحصل علي اثنين فقط..اندفع صوت من وراء الشباك..
أعلن الوقوف عن استيائهم وسخطهم..صرخت بعض النسوة وبكى بعض الأطفال
ـ وماذا أفعل باثنين وأنا آكلهما وحدي؟؟!!
ـ الكمية نفذت
ـ الكمية نفذت لأنكم تعطونها للمحظوظين
ـ نحن مثال الشرف والأمانة
ـ نعم...بدليل الأجولة التي تهرب يومياً..قال أحد الوقوف متهكماً
ـ رضينا بالاثنين..قال آخر

وقبل انتصاف ذلك النهار ورغم وقوفه في ذلك الطابور اللعين منذ شروق الشمس جاء دوره ولكن بعد نفاذ الكمية وإغلاق الشباك.. وهو يطوي صفحات الجريدة التي كان قد فردها ليحمل عليها ما كان سوف يشتريه لفتت نظره قصيدة منشورة بها:
طول عمري باحلم بعيش نضيف
أو أقدر آكل كل الرغيف
لكن الحقيقة حوش يا لطيف

م الصبح بدري والدنيا ضلمة
أقوم وأجري ألاقي لمّة
وزحمة جامدة وعِراك عنيف

الكشك  عايم ف ميّه نتنة
في حتة زنقة علي باب حارتنا
والناس مظاهرة فوق الرصيف

خليك مؤدب شهم وظريف
إيه يعنى لما تلاقي  طوبة
أو عقب سوبر أو حبل ليف

الطوبة تنفع بتبنى حيطة
يا تحُكْ رِجلَك فتّح ف مخك
والحبل دا  يخليك نضيف

الزحمة صبحت مزاج وكيف
عشان مؤدب حلو   وعفيف
أنا سبت دوري لشيخ ضعيف
واد حلو مجدع  ماسك رغيف
راح مد إيده  وبصباع  خفيف
لطش الماهية وأنا ع الرصيف

تحسس جيب بنطاله الخلفي حيث تعود أن يضع حافظة نقوده..صرخ في هلع..أجلسه بعض المارة "علي الرصيف" أحضروا له كوب ماء..أخذ في لطم خدوده..ولما علموا ما حدث له تركوه وانصرفوا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق